- elissaاداره عليا
- عدد المساهمات : 5847
تاريخ التسجيل : 30/07/2009
الموقع : www.myeg.mam9.com
من أسرار القرآن
الخميس أكتوبر 01, 2009 2:05 pm
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
314 وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر
وأنت أرحم الراحمين[ الأنبياء:83]
314 وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين[ الأنبياء:83]
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل الثلث الأخير من سورة الأنبياء, وهي سورة مكية, وآياتها اثنتا عشرة ومائة(112) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستعراضها سير عدد من أنبياء الله. ويدور المحور الرئيس للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية شأنها في ذلك شأن كل السور المكية.
هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة الأنبياء, وما جاء فيها من ركائز العقيدة والإشارات الكونية, ونركز هنا علي جانب الإعجاز التاريخي في ذكر قصة سيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ والذي تشير الآثار المتوافرة لنا اليوم إلي وفاته قبل بعثة المصطفي صلي الله عليه وسلم بأكثر من ألفي سنة.
من أوجه الإعجاز التاريخي في الآية الكريمة
أولا: ذكر أيوب عليه السلام في القرآن الكريم:
جاء ذكر نبي الله وعبده أيوب ـ عليه السلام ـ في القرآن الكريم أربع مرات في أربع من سور القرآن الكريم علي النحو التالي:
1. إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسي وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا[ النساء:163]
2. وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم علي قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم* ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسي وهارون وكذلك نجزي المحسنين[ الأنعام:83 ـ84].
3. وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين* فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكري للعابدين[ الأنبياء:83 ـ84].
4. واذكر عبدنا أيوب إذ نادي ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب* اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب* ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكري لأولي الألباب* وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب[ ص:41 ـ44].
وقوله ـ تعالي: اركض برجلك أي: اضرب الأرض برجلك, وبامتثاله ما أمره الله به نبعت بقدرة الله ـ تعالي ـ عين من الماء البارد, وأمر أن يغتسل فيها, وأن يشرب منها فأذهب الله ـ سبحانه وتعالي ـ عنه كل ما كان بجسده من الأدواء الظاهرة والباطنة, وعاد سليما معافي كما كان قبل الابتلاء.
ثم وهبه الله ـ تعالي ـ أهله وماله مضاعفين ـ وكانا قد سلبا منه ـ وذلك لقوله ـ تعالي: ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكري لأولي الألباب. أي: وجمعنا شمله بأهله الذين كانوا قد تفرقوا عنه أثناء ابتلائه, وأيام محنته, أو الذين كانوا قد ماتوا فعوضه الله ـ سبحانه وتعالي ـ عنهم وزاد عليهم مثلهم, وفعل ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ذلك رحمة منا بعبدنا أيوب جزاء صبره علي البلاء واحتسابه ذلك في سبيل الله, وعظة لأصحاب العقول السوية ليدركوا أن بعد العسر اليسر, وأن بعد الشدة الفرج جزاء علي صبر الصابرين واحتساب المحتسبين, وكان أيوب قد حلف أن يضرب زوجه أو أحدا من أهله عددا من الضربات علي خطأ كان قد ارتكبه, فحلل الله ـ تعالي ــ له يمينه بأن يأخذ حزمة من القش, فيها العدد الذي أقسم أن يضرب به, فيضرب به ضربة واحدة, وفاء بيمينه دون أن يصاب المضروب بألم يذكر. وقد من الله ـ تعالي ـ علي عبده أيوب بهذه النعم جزاء صبره علي البلاء, وتذكرة لكل من ابتلي في جسده أو ماله أو ولده كي يصبر ويحتسب لأن الصبر من منازل المؤمنين بالله المتقين لجلاله كما أخبر بذلك المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم.
ثانيا: ذكر أيوب ـ عليه السلام ـ في السنة النبوية المطهرة:
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة, فرفضه القريب والبعيد, إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له, كانا يغدوان إليه ويروحان, فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين, قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به. فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتي ذكر ذلك له, فقال أيوب: لا أدري ما تقول؟ غير أن الله ـ عز وجل ـ يعلم أني كنت أمر علي الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلي بيتي فأكفر عنهما, كراهة أن يذكر الله إلا في حق; وقال صلي الله عليه وسلم: وكان أيوب يخرج في حاجته, فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتي يرجع. فلما كان ذات يوم أبطأت امرأته عليه, فأوحي الله إلي أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فاستبطأته امرأته فتلقته تنظر,
وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء, وهو علي أحسن ما كان, فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك! هل رأيت نبي الله هذا المبتلي؟ فو الله القدير علي ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا, قال: فإني أنا هو.
وقل صلي الله عليه وسلم عن نبي الله أيوب: وكان له أندران, أندر للقمح وأندر للشعير, فبعث الله سحابتين, فلما كانت إحداهما علي أندر القمح أفرغت عليه الذهب حتي فاض, وأفرغت الأخري في أندر الشعير الورق( أي الفضة) حتي فاض( السلسلة الصحيحة للألباني ـ ج17).
وقصة نبي الله أيوب ـ عليه السلام ـ هي من نماذج الصبر علي الابتلاء الذي يقدره الله ـ تعالي ـ علي عبد من عباده فيصبر ويحتسب, ويكون العطاء الوافر في الدنيا وفي الآخرة هو جزاء الصبر والاحتساب. وقد طال صبر أيوب علي الابتلاء بغير تضرر ولا ضجر حتي لأصبح يضرب بصبره المثل, وأصبحت قصة صبر أيوب علي كل لسان, إلا أن القصة قد شابها حتي تم تشويهها بالكامل, وأصبحت ضربا من القصص الشعبي, من الإسرائيليات ما شابها, والحق من هذه القصة هو ما جاء عنها في كتاب الله ـ تعالي ـ وفي سنة خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم, كما عرضناه في الآيات القرآنية الكريمة التي تم الاستشهاد بها أعلاه, وفي الحديث النبوي الشريف الذي ذكرناه آنفا. وخلاصة ذلك أن أيوب ـ عليه السلام ـ كان عبدا من عباد الله الصالحين, وقد ابتلاه الله ـ تعالي ـ في عافيته وولده وماله فصبر صبرا جميلا, وبقي واثقا في ربه, راضيا بقضائه, محتسبا لابتلائه, وكان الشيطان يوسوس لزوجته ولعدد من خلصائه القلائل الذين بقوا علي وفائهم له بأن الله ـ تعالي ـ لو كان راضيا عن عبده أيوب ما ابتلاه هذا الابتلاء الذي طال لقرابة العشرين عاما, وكان بعض هؤلاء الخلصاء ي
سرون إلي أيوب بذلك فتؤذيه أقوالهم في نفسه أشد ما يؤذيه المرض وغيره من صور الابتلاء لأنه كان يعلم أن ذلك من وساوس الشيطان إلي البقية الباقية من خلصائه حتي ينصرفوا عنه.
ولما تكاثرت أحاديث خلصائه عليه توجه إلي ربه بالشكوي مما يلقي من إيذاء الشيطان, ومن نفثه في آذان من بقي حوله من أهله وأصدقائه فقال:[... أني مسني الشيطان بنصب وعذاب] فاستجاب الله دعوته, وأدركه برحمته, فأنهي ابتلاءه, ورد عليه عافيته وأهله وماله.
وفي ذلك تأكيد علي رحمة الله وفضله علي عباده الصالحين الذين يعرضهم لشيء من الابتلاء فيصبرون ويحتسبون رضا بقضاء الله وقدره, ويقينا بأنه الخير كل الخير, وذلك انطلاقا من قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء, ثم الصالحون, ثم الأمثل فالأمثل وقال: يبتلي الرجل علي حسب دينه, فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه( صحيح الجامع/992, السلسلة الصحيحة للألباني/ ح145,144,143). ولذلك عقب القرآن الكريم علي قصة نبي الله أيوب بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:[... إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب].
وذلك الإنعام من الله ـ تعالي ـ علي عبده ونبيه أيوب كان جزاء وافرا علي صبره علي البلاء الذي لم يقنطه من رحمة ربه, ولم يوقفه عن حسن الالتجاء إلي الله ليكون في ذلك درسا لغيره من عباد الله الصالحين, وعبرة وعظة للمعتبرين.
ثالثا: ومضة الإعجاز التاريخي في الآية الكريمة:
يذكر كل من علماء التفسير وتاريخ الأديان أن أيوب ـ عليه السلام ـ كان من ذرية إسحاق بن إبراهيم ـ عليهما من الله السلام ـ وأنه كان عبدا صالحا من الله ـ تعالي ـ عليه بالعافية والأهل والمال, ثم ابتلاه بسلب ذلك كله منه, وظل محتسبا وصابرا ثمانية عشر عاما حتي رد الله ـ تعالي ـ إليه كل من كان قد سلب منه في فترة الابتلاء والاختبار, وعاد أصح عافية, وأغني بالأهل والمال مما كان عليه, وبذلك جعله ربنا ـ تبارك وتعالي ـ مثلا للصابرين المحتسبين, ودرسا لغيره من المعتبرين, وذلك لأن الابتلاء هو من سنن الحياة الدنيا, والصبر علي الابتلاء هو من شيم أصحاب الدعوات من عباد الله الصالحين عبر التاريخ, وسيظل كذلك حتي قيام الساعة والله ـ تعالي ـ قد جعل النصر مع الصبر, وجعل عاقبة الصابرين الفوز المبين في الدنيا قبل الآخرة, وما عند الله خير وأبقي, وبذلك الفهم يهون الابتلاء ـ مهما عظم ـ علي كل قلب عامر بالإيمان بالله, مؤمن بقضائه وقدره, موقن بأنه الخير كل الخير, وأن عاقبته الخير, وإن بدا لأعين الناس غير ذلك, وهذا هو الدرس المستفاد من قصة نبي الله أيوب ـ عليه السلام ـ في القرآن الكريم.
ويذكر علماء كل من التفسير وتاريخ الأديان أن نبي الله أيوب ـ عليه السلام ـ عاش في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد( في حدود1600 ـ1500 ق.م), وأن خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ بعث في أوائل القرن السابع الميلادي, وعلي ذلك فالفارق الزمني بين هذين النبيين الكريمين يفوق الألفي عام, وأن خاتم النبيين صلي الله عليه وسلم كان أميا لا يعرف القراءة والكتابة حتي لا يتهمه أحد بأنه نقل القصص القرآني عن كتب الأولين, وهو صلي الله عليه وسلم لم يزر أرض حوران التي يقال إنها كانت بلاد أيوب ـ عليه السلام ـ ومن هنا فإن الإشارة إلي قصة هذا النبي في القرآن الكريم, هي من المعجزات التاريخية في كتاب الله, وإن جاءت في الأصل مواساة لرسول الله صلي الله عليه وسلم وللذين آمنوا معه في وقت ابتلائهم بمظالم مشركي وكفار مكة, ومواساة لكل داعية إلي دين الله يتعرض لظلم الطغاة المتجبرين من الحكام الظالمين في كل زمان ومكان إلي يوم الدين, وذلك لأنه لم يكن لأحد من أهل الجزيرة العربية إلمام بقصة نبي الله أيوب في زمن الوحي.
وتأتي القصة ـ علي عادة القرآن الكريم ـ بالدروس والعبر المستفادة منها, لا من قبيل السرد التاريخي المجرد, لأن القرآن الكريم هو كتاب هداية ـ وليس كتاب تاريخ, ولكن بما أنه كلام رب العالمين في صفائه الرباني فإن كل حرف, وكلمة, وآية, وسورة منه تأتي بالحق المبين في أي مجال تتعرض له, علي تعدد مجالاته وتشعبها.
القصة ـ كغيرها من قصص القرآن الكريم ـ تبرز كوجه من أوجه الإعجاز التاريخي في كتاب الله يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية, في نفس لغة وحيه( اللغة العربية), وحفظه علي مدي أربعة عشر قرنا ويزيد, وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتي يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين. فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
314 وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر
وأنت أرحم الراحمين[ الأنبياء:83]
314 وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين[ الأنبياء:83]
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل الثلث الأخير من سورة الأنبياء, وهي سورة مكية, وآياتها اثنتا عشرة ومائة(112) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستعراضها سير عدد من أنبياء الله. ويدور المحور الرئيس للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية شأنها في ذلك شأن كل السور المكية.
هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة الأنبياء, وما جاء فيها من ركائز العقيدة والإشارات الكونية, ونركز هنا علي جانب الإعجاز التاريخي في ذكر قصة سيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ والذي تشير الآثار المتوافرة لنا اليوم إلي وفاته قبل بعثة المصطفي صلي الله عليه وسلم بأكثر من ألفي سنة.
من أوجه الإعجاز التاريخي في الآية الكريمة
أولا: ذكر أيوب عليه السلام في القرآن الكريم:
جاء ذكر نبي الله وعبده أيوب ـ عليه السلام ـ في القرآن الكريم أربع مرات في أربع من سور القرآن الكريم علي النحو التالي:
1. إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسي وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا[ النساء:163]
2. وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم علي قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم* ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسي وهارون وكذلك نجزي المحسنين[ الأنعام:83 ـ84].
3. وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين* فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكري للعابدين[ الأنبياء:83 ـ84].
4. واذكر عبدنا أيوب إذ نادي ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب* اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب* ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكري لأولي الألباب* وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب[ ص:41 ـ44].
وقوله ـ تعالي: اركض برجلك أي: اضرب الأرض برجلك, وبامتثاله ما أمره الله به نبعت بقدرة الله ـ تعالي ـ عين من الماء البارد, وأمر أن يغتسل فيها, وأن يشرب منها فأذهب الله ـ سبحانه وتعالي ـ عنه كل ما كان بجسده من الأدواء الظاهرة والباطنة, وعاد سليما معافي كما كان قبل الابتلاء.
ثم وهبه الله ـ تعالي ـ أهله وماله مضاعفين ـ وكانا قد سلبا منه ـ وذلك لقوله ـ تعالي: ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكري لأولي الألباب. أي: وجمعنا شمله بأهله الذين كانوا قد تفرقوا عنه أثناء ابتلائه, وأيام محنته, أو الذين كانوا قد ماتوا فعوضه الله ـ سبحانه وتعالي ـ عنهم وزاد عليهم مثلهم, وفعل ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ذلك رحمة منا بعبدنا أيوب جزاء صبره علي البلاء واحتسابه ذلك في سبيل الله, وعظة لأصحاب العقول السوية ليدركوا أن بعد العسر اليسر, وأن بعد الشدة الفرج جزاء علي صبر الصابرين واحتساب المحتسبين, وكان أيوب قد حلف أن يضرب زوجه أو أحدا من أهله عددا من الضربات علي خطأ كان قد ارتكبه, فحلل الله ـ تعالي ــ له يمينه بأن يأخذ حزمة من القش, فيها العدد الذي أقسم أن يضرب به, فيضرب به ضربة واحدة, وفاء بيمينه دون أن يصاب المضروب بألم يذكر. وقد من الله ـ تعالي ـ علي عبده أيوب بهذه النعم جزاء صبره علي البلاء, وتذكرة لكل من ابتلي في جسده أو ماله أو ولده كي يصبر ويحتسب لأن الصبر من منازل المؤمنين بالله المتقين لجلاله كما أخبر بذلك المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم.
ثانيا: ذكر أيوب ـ عليه السلام ـ في السنة النبوية المطهرة:
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة, فرفضه القريب والبعيد, إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له, كانا يغدوان إليه ويروحان, فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين, قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به. فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتي ذكر ذلك له, فقال أيوب: لا أدري ما تقول؟ غير أن الله ـ عز وجل ـ يعلم أني كنت أمر علي الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلي بيتي فأكفر عنهما, كراهة أن يذكر الله إلا في حق; وقال صلي الله عليه وسلم: وكان أيوب يخرج في حاجته, فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتي يرجع. فلما كان ذات يوم أبطأت امرأته عليه, فأوحي الله إلي أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فاستبطأته امرأته فتلقته تنظر,
وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء, وهو علي أحسن ما كان, فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك! هل رأيت نبي الله هذا المبتلي؟ فو الله القدير علي ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا, قال: فإني أنا هو.
وقل صلي الله عليه وسلم عن نبي الله أيوب: وكان له أندران, أندر للقمح وأندر للشعير, فبعث الله سحابتين, فلما كانت إحداهما علي أندر القمح أفرغت عليه الذهب حتي فاض, وأفرغت الأخري في أندر الشعير الورق( أي الفضة) حتي فاض( السلسلة الصحيحة للألباني ـ ج17).
وقصة نبي الله أيوب ـ عليه السلام ـ هي من نماذج الصبر علي الابتلاء الذي يقدره الله ـ تعالي ـ علي عبد من عباده فيصبر ويحتسب, ويكون العطاء الوافر في الدنيا وفي الآخرة هو جزاء الصبر والاحتساب. وقد طال صبر أيوب علي الابتلاء بغير تضرر ولا ضجر حتي لأصبح يضرب بصبره المثل, وأصبحت قصة صبر أيوب علي كل لسان, إلا أن القصة قد شابها حتي تم تشويهها بالكامل, وأصبحت ضربا من القصص الشعبي, من الإسرائيليات ما شابها, والحق من هذه القصة هو ما جاء عنها في كتاب الله ـ تعالي ـ وفي سنة خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم, كما عرضناه في الآيات القرآنية الكريمة التي تم الاستشهاد بها أعلاه, وفي الحديث النبوي الشريف الذي ذكرناه آنفا. وخلاصة ذلك أن أيوب ـ عليه السلام ـ كان عبدا من عباد الله الصالحين, وقد ابتلاه الله ـ تعالي ـ في عافيته وولده وماله فصبر صبرا جميلا, وبقي واثقا في ربه, راضيا بقضائه, محتسبا لابتلائه, وكان الشيطان يوسوس لزوجته ولعدد من خلصائه القلائل الذين بقوا علي وفائهم له بأن الله ـ تعالي ـ لو كان راضيا عن عبده أيوب ما ابتلاه هذا الابتلاء الذي طال لقرابة العشرين عاما, وكان بعض هؤلاء الخلصاء ي
سرون إلي أيوب بذلك فتؤذيه أقوالهم في نفسه أشد ما يؤذيه المرض وغيره من صور الابتلاء لأنه كان يعلم أن ذلك من وساوس الشيطان إلي البقية الباقية من خلصائه حتي ينصرفوا عنه.
ولما تكاثرت أحاديث خلصائه عليه توجه إلي ربه بالشكوي مما يلقي من إيذاء الشيطان, ومن نفثه في آذان من بقي حوله من أهله وأصدقائه فقال:[... أني مسني الشيطان بنصب وعذاب] فاستجاب الله دعوته, وأدركه برحمته, فأنهي ابتلاءه, ورد عليه عافيته وأهله وماله.
وفي ذلك تأكيد علي رحمة الله وفضله علي عباده الصالحين الذين يعرضهم لشيء من الابتلاء فيصبرون ويحتسبون رضا بقضاء الله وقدره, ويقينا بأنه الخير كل الخير, وذلك انطلاقا من قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء, ثم الصالحون, ثم الأمثل فالأمثل وقال: يبتلي الرجل علي حسب دينه, فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه( صحيح الجامع/992, السلسلة الصحيحة للألباني/ ح145,144,143). ولذلك عقب القرآن الكريم علي قصة نبي الله أيوب بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:[... إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب].
وذلك الإنعام من الله ـ تعالي ـ علي عبده ونبيه أيوب كان جزاء وافرا علي صبره علي البلاء الذي لم يقنطه من رحمة ربه, ولم يوقفه عن حسن الالتجاء إلي الله ليكون في ذلك درسا لغيره من عباد الله الصالحين, وعبرة وعظة للمعتبرين.
ثالثا: ومضة الإعجاز التاريخي في الآية الكريمة:
يذكر كل من علماء التفسير وتاريخ الأديان أن أيوب ـ عليه السلام ـ كان من ذرية إسحاق بن إبراهيم ـ عليهما من الله السلام ـ وأنه كان عبدا صالحا من الله ـ تعالي ـ عليه بالعافية والأهل والمال, ثم ابتلاه بسلب ذلك كله منه, وظل محتسبا وصابرا ثمانية عشر عاما حتي رد الله ـ تعالي ـ إليه كل من كان قد سلب منه في فترة الابتلاء والاختبار, وعاد أصح عافية, وأغني بالأهل والمال مما كان عليه, وبذلك جعله ربنا ـ تبارك وتعالي ـ مثلا للصابرين المحتسبين, ودرسا لغيره من المعتبرين, وذلك لأن الابتلاء هو من سنن الحياة الدنيا, والصبر علي الابتلاء هو من شيم أصحاب الدعوات من عباد الله الصالحين عبر التاريخ, وسيظل كذلك حتي قيام الساعة والله ـ تعالي ـ قد جعل النصر مع الصبر, وجعل عاقبة الصابرين الفوز المبين في الدنيا قبل الآخرة, وما عند الله خير وأبقي, وبذلك الفهم يهون الابتلاء ـ مهما عظم ـ علي كل قلب عامر بالإيمان بالله, مؤمن بقضائه وقدره, موقن بأنه الخير كل الخير, وأن عاقبته الخير, وإن بدا لأعين الناس غير ذلك, وهذا هو الدرس المستفاد من قصة نبي الله أيوب ـ عليه السلام ـ في القرآن الكريم.
ويذكر علماء كل من التفسير وتاريخ الأديان أن نبي الله أيوب ـ عليه السلام ـ عاش في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد( في حدود1600 ـ1500 ق.م), وأن خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ بعث في أوائل القرن السابع الميلادي, وعلي ذلك فالفارق الزمني بين هذين النبيين الكريمين يفوق الألفي عام, وأن خاتم النبيين صلي الله عليه وسلم كان أميا لا يعرف القراءة والكتابة حتي لا يتهمه أحد بأنه نقل القصص القرآني عن كتب الأولين, وهو صلي الله عليه وسلم لم يزر أرض حوران التي يقال إنها كانت بلاد أيوب ـ عليه السلام ـ ومن هنا فإن الإشارة إلي قصة هذا النبي في القرآن الكريم, هي من المعجزات التاريخية في كتاب الله, وإن جاءت في الأصل مواساة لرسول الله صلي الله عليه وسلم وللذين آمنوا معه في وقت ابتلائهم بمظالم مشركي وكفار مكة, ومواساة لكل داعية إلي دين الله يتعرض لظلم الطغاة المتجبرين من الحكام الظالمين في كل زمان ومكان إلي يوم الدين, وذلك لأنه لم يكن لأحد من أهل الجزيرة العربية إلمام بقصة نبي الله أيوب في زمن الوحي.
وتأتي القصة ـ علي عادة القرآن الكريم ـ بالدروس والعبر المستفادة منها, لا من قبيل السرد التاريخي المجرد, لأن القرآن الكريم هو كتاب هداية ـ وليس كتاب تاريخ, ولكن بما أنه كلام رب العالمين في صفائه الرباني فإن كل حرف, وكلمة, وآية, وسورة منه تأتي بالحق المبين في أي مجال تتعرض له, علي تعدد مجالاته وتشعبها.
القصة ـ كغيرها من قصص القرآن الكريم ـ تبرز كوجه من أوجه الإعجاز التاريخي في كتاب الله يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية, في نفس لغة وحيه( اللغة العربية), وحفظه علي مدي أربعة عشر قرنا ويزيد, وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتي يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين. فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
- sollyمشرفه
- عدد المساهمات : 2581
تاريخ التسجيل : 24/08/2009
الموقع : www.myeg.mam9.com
العمر : 33
رد: من أسرار القرآن
الخميس أكتوبر 01, 2009 2:09 pm
جزاكي الله خير يا قمر
- elissaاداره عليا
- عدد المساهمات : 5847
تاريخ التسجيل : 30/07/2009
الموقع : www.myeg.mam9.com
رد: من أسرار القرآن
الخميس أكتوبر 01, 2009 3:31 pm
ميرسى ليكى ياسولى
جزانا واياكم يا قمر
جزانا واياكم يا قمر
- medo_masheklllعضو ذهبى
- عدد المساهمات : 1513
تاريخ التسجيل : 11/06/2009
رد: من أسرار القرآن
الجمعة أكتوبر 02, 2009 5:31 am
ثامكسسس اليسا
- elissaاداره عليا
- عدد المساهمات : 5847
تاريخ التسجيل : 30/07/2009
الموقع : www.myeg.mam9.com
رد: من أسرار القرآن
الجمعة أكتوبر 02, 2009 12:12 pm
ميرسى لمرورك ميدو
نورتنى
_______________________
ELISSA
نورتنى
_______________________
ELISSA
- salyصاحب مكان
- عدد المساهمات : 4009
تاريخ التسجيل : 11/06/2009
الموقع : www.myeg.mam9.com
رد: من أسرار القرآن
الجمعة أكتوبر 02, 2009 3:27 pm
كبير اوى بس حلو اوي
تسلم ايدك ياحبيبتي
تسلم ايدك ياحبيبتي
- elissaاداره عليا
- عدد المساهمات : 5847
تاريخ التسجيل : 30/07/2009
الموقع : www.myeg.mam9.com
رد: من أسرار القرآن
الجمعة أكتوبر 02, 2009 4:27 pm
ميرسى لمرورك اوى سالى
نورتينى يا قمر
_________________________
ELISSA
نورتينى يا قمر
_________________________
ELISSA
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى